هل أستحق الموت؟ "حدث بالفعل"

 من يومين ابتديت أطلع أسرار محدش يعرفها عنى و قصص حصلت فعلا و يمكن كتبت عن الكلام اللى هكتب عنه دلوقتى قبل كده بس كان طشاش من غير التفاصيل المؤلمة و الأحداث اللى حصلت على أرض الواقع.

قبل ما أحكى القصة نفسها محتاج أحكى تفاصيل بسيطة عن شكل جيشى، انا كنت فى كتيبة مشاة على أطراف سيوة و قبل ما نوصل الكتيبة بشهرين تقريبا حصل تغيير من قيادة المنطقة و الكتيبة اتنقلت بالكامل من كونها جزء من المطار الحربى و جزء على أطراف سيوة و جزء كماين و جزء مسئول عن الملاحات جوه سيوة لإنها تتنقل منطقة تانية فى بعيدة عن سيوة ٤ ساعات و معتقدش ينفع أقول تفاصيل أكتر بس المنطقة دى كانت فى قلب الصحرا و تعتبر أطراف ليبيا و المنطقة دى مفيهاش شبكة، الشبكة فعليا بتقطع بعد ما بنبعد عن سيوة ٢٠ دقيقة فى الطريق ده.

فى الأول اتوزعت كنت فى المطار الحربى مع كام عسكرى تانى عشان الجزء ده يعتبر لسه تابع للكتيبة بس مثلا بدل ما فى هناك ٦٠٠ عسكرى فى ١٥ عسكرى بس.

و بعد ما قضيت شهر هناك بغض النظر عن التفاصيل و عارف اللى فى دماغكم إنه مطار يعنى عز بس فعليا هو كان أسوأ مكان من حيث ظروف القاعدة لكن للأمانة كان أريحهم نفسيا بعيد عن الضغط.


المهم اتنقلت بعد الشهر و قالولى انت هتكون فى كمين القيادة فى المنطقة الصحرا دى و خلينا نسميها المنطقة X بدل اسمها الفعلى.

و فى الوقت ده كان عندى مشكلة فى ضهرى و كنت بعمل جلسات علاج طبيعى فى المستشفى فى سيوة فبروح كل ٣ أيام و فعليا مكنتش بعرف أبذل أى مجهود أو أحمل على ضهرى و حتى المشى كان صعب و فى وسط كل ده جالى صف ظابط قاللى انت طالع بكره المنطقة X فقلتله يا فندم انا مش لسه بعمل جلسات و أصلا ضهرى مش هيستحمل أفضل ٤ ساعات فى العربية قاعد بالشكل ده -مع العلم إن الطريقة اللى بنروح بيها هى يا بنركب عربيات land cruiser اللى هى زى النص نقل و القعدة بتاعتها أكرم شوية لأن بنبقى راكبين فيها ٦-٨ عساكر حاضنين بعض لأن بتبقى العربية محملة أكل لكل الكماين اللى فوق أو بضاعة كانتين أو حاجات ظباط كتليفزيون أو ما شابه و حاجات لازم نفضل ماسكينها أو مخليين بالنا عشان متطيرش أو تتكسر أو تبوظ.

و الطريقة التانية العربية الأورال و دى مش عارف أوصفها أوى و غالبا لازم تكون شوفتها عشان تبقى متخيل اللى بتكلم عنه، حاجة كده كاوتشاتها زى كاوتشات المقطورة بس العربية كحجم هى ضخمة بس أصغر شوية من المقطورة و دى القعدة فيها مهينة، يعنى لو طلعت لازم تجرى بسرعة و تقعد على أى جنب عشان تسند ضهرك و إلا هتقعد فى النص و ساعتها هتتهان أول ما العربية تتحرك، و عادة العربية كانت بتقى محملة براميل بنزين و جاز بتاخد تلت المكان- المهم الصف ظابط كمل كلامه و قاللى قائد الكتيبة مبلغ و مأكد إنه مش عايز ولا حد من الخدمات الطبية تحت فى المؤخرة و لو مطلعتش بكره احنا الاتنين هناخد جزا و انت هتتحبس.


ساعتها حسيت إنى عايز أعيط، كان mix مشاعر سلبية سواء بقى من خوف من المجهول و فكرة إنى رايح مكان مش متخيله لمدة شهر فى قلب الصحرا و مش هعرف أوصل لأهلى و already اتعودت على الناس اللى كانوا معايا فى المطار فأنا رايح مكان معرفش فيه حد و عموما وسيلتى إنى أشم نفسى كانت من خلال إنى أكلم أى بنى أدم طبيعى من أى دايرة قريبة من علاقاتى فده مش هيبقى موجود عشان مفيش شبكة, و ده مش يومين إنعزال, إحنا بنتكلم إنى هقعد على الأقل اسبوعين فوق و هستنى كمان لحد ما أتحط فى جدول أجازات و كان صعبان عليا نفسى إنى هتبهدل كده, يعنى already كنت متبهدل جسدياً و معنوياً بس اللى بيعدى الأيام وجود تواصل مع العالم الخارجى.
و كمان فكرة إن حد يمشى كلامه عليا اتعودت عليها بمنطق إنى فى جيش و مدرك إن جزء منها إن هو عايز يمحينى كشخص و عايزنى آخد الأمر أنفذه فلازم يكسرنى, بس فى الآخر فى مبرر عقلى متقبله حتى لو مش صح بس اللى كان بيغلى جوايا هو "انا بنى أدم و جسمى و نفسيتى ليهم آخر, إنت حمار عايز تطلعنى بحالتى دى عشان أفضل قاعد فوق بصوت من غير جلسات؟"


دماغى عمالة تودى و تجيب طول الليل و تقريباً منمتش طول الليل و already كنت شبه اتعودت إنى مش بنام كفاية من الوقت اللى فات و تحديداً فى مؤخرة سيوة دى مكنش ليا مكان أنام فيه فبنام عالأرض فى أى حتة ليها سقف و خلاص و قبل ما انام جت الفكرة إنى أروح أنام فى حتة فى طرف الكتيبة محدش بيروحها عشان ميلاقونيش و لما مطلعش مع العربيات أقولهم راحت عليا نومة و يحصل اللى يحصل, أكيد العربيات مش هتقف عليا و لو على جزا و سجن عالأقل هبقى مسجون هنا و هعرف أكلم أهلى حتى لو كل فين و فين بس أحسن ما أطلع فوق.

و فعلاً عملت كده و بعد الساعة إلا ربع اللى نمتها لقيت حد من العساكر القديمة بيزقنى فى جنبى برجله فقمت عشان أتخانق معاه و قلتله مفيش حد بيصحى بنى آدم بالشكل ده, و كمالة الحوار إنه دورنى للصف ظابط و أخدت كلمتين عشان بحاول أهرب بس بعدها ركبت عربية من عربيات الland cruiser تقديراً لحالة ضهرى المفروض يعنى...


قبل ما العربيات تطلع الظابط طلع عشان يتمم إن كل حاجة تمام و راح بص عالعربية اللى انا راكب فيها و قال إيه المنظر ده يا صول X نزل من العساكر دى و طلعهم عالأورال.
فالصف ظابط قاله يا فندم الأورال مفيهاش مكان خالص, فراح الظابط زعق و قال "ما انا مش هطلع العساكر بالمنظر ده و واحد يقعلى من العربية يجبلنا مصيبة", و بصلنا و قال "إنزل تحت يابنى انت و هو فى العربية" فحرفيا مكانش فى مكان من كتر ما العربية كانت محملة, فراح زعق و نزلنا كلنا من عالعربية و سألنا كل واحد دوره إيه فى الكتيبة فكان فى واحد من مكتب عمليات و واحد من الميس "المطعم" و انا و واحد تانى خدمات طبية.

فطلعنا واحد واحد ركبنا العربية و بعد ما ركبنا و فضلنا فى نفس الوضع قاللى تعالى انت يا بتاع الخدمات الطبية, كفاية واحد بس يطلع و انت تطلع الرتل "الطلعة" الجاية -اللى هى مفروض بعدها ب3 أيام- و جه عسكرى تبع الكانتين للظابط و قاله "بالله عليك يا فندم بلاش أطلع المرادى, سيبنى أطلع الرتل الجاى, بالله عليك أمى تعبانة و عايز أتطمن عليها بس."

العسكرى ده كان من الغربية و معروف بصوته العالى و كان عنده القدرة يضحك أى حد حرفياً فلما اتكلم بلهجته و بصوته العالى الظابط ضحك غصب عنه و قاله اركب يلا متستهبلش. 

فضل يزن كتير إنه يطلع الطلعة اللى بعدها و قعد يقول إن أمه عيانة و عايز يتطمن عليها بس ففى الآخر الظابط ركبه مكانى فى العربية.

المهم العربيات طلعت و احنا العساكر اللى كانت موجودة اتوزعنا أشغال و بعدها بكام ساعة نسمع أخبار إن فى حادثة كبيرة و عربية من عربياتنا اتقلبت و كل شوية خبر عن ناس مننا ماتوا.

و بعدها عسكرى ييجى يقوللى الظابط عايزك, فأخشله يقوللى جهز لبس تنام بيه و هتطلع مع العربية اللى طالعة للمستشفى عشان لازم عسكرى خدمات طبية يبقى موجود و بعدها يطلع عسكرى تانى مكانى و عايشين فى أجواء كلها ضغط عصبى و الدنيا مقلوبة و محدش عارف حاجة أكيدة لحد ما نعرف إن العسكرى اللى ركب مكانى مات.

قعدت اليوم كله مش مستوعب إن ده بجد, شاورما اللى كان لسه معانا انهارده الصبح خلاص كده؟ و بعد كده تيجى أخبار تانى إن عسكرى تانى مات و بعد كده يقولوا إنه فى غيبوبة بين الحياة و الموت.
فييجى جوا دماغى أمل إن ما ممكن ميكونش الأولانى مات, لحد ما عربية بتخش الكتيبة جاية من فوق فيها قائد أول و رئيس عمليات الكتيبة و وش رئيس العمليات مخطوف و ينزل من نفس العربية العسكرى اللى كان سايق العربية اللى اتقال إنها اتقلبت و هو معلق إيده فى رقبته و وشه أحمر و يخش عنبر الجنود من غير ولا كلمة و أول ما يخش نسمع تهبيد فنخش و نشوفه بيهبد دماغه فى الحيط بطريقة هستيرية و عمال يعيط و يقول حاجة واحدة "انا السبب".

الناس بتمسكه و بتهديه و قعدنا لحد بليل كل شوية نسمع أخبار جديدة لحد ما القائد جمع الكتيبة و أكد الأخبار اللى سمعناها "شاورما مات فى الحادثة"

و كل اللى جوايا إنى انا كنت طالع مكانه, انا اللى كنت هموت مكانه لكن هو اللى مات مكانى, من جوايا عايز أعيط و مش عارف بس حاسس إنى بتقطع من جوا و كل شوية أسأل نفسى كمية أسئلة مش عارف حتى أكتبها.

انا بكتب دلوقتى إن شاورما مات مكانى و هو مكانش يستاهل الموت و لسه موجوع من ده بطريقة مقدرش أكتب عنها.

بس بعد وقت طويل من أسئلة ليه و إزاى ييجى ربنا يقوللى انا عملتها معاك قبل كده, دى مش أول مرة كنت هتموت فيها و انا أقول لأ. و نفس السؤال جوايا طب إيه وجهة نظرك و عايزنى ليه هنا؟ 
انا معنديش إجابة محددة بس اللى متأكد منه إن الله عايزنى هنا دلوقتى و عنده خطة ليا بس انا اللى مخى تخين و مش فاهم.

و اللى قادر أشوفه دلوقتى حالاً و انا بكتب إن انا اللى كنت أستاهل أموت لكن شاورما مات مكانى و ده محسسنى بالذنب و مش قادر أغفر لنفسى مع إن مش انا السبب فى موته, لكن الحقيقة إن يمكن هو مات مكانى لكن مماتش عشانى و الوحيد اللى مات عشانى و كصيغة مبالغة لكن كحدث تاريخى حصل فعلاً هو يسوع, مات عشان يشيل كل كتافه كل عك عملته و قام عشان يقومنى معاه, عشان يقوللى إن حياتك مش صدفة و إنى مش موجود هنا بلا هدف.

و حقيقى مش قادر أكتب مواعظ و مش عارف أشوف الحكمة فى اللى حصل لحد إنهارده بس نفسى أفهم, مش ليه شاورما مات و انا لأ لكن انت عايز تقول إيه يا رب؟


Comments

Popular posts from this blog

A Walk In God's Temple

كان نفسى أحبك زى ما حبيتينى !