حكاية انسان: الجزء الثانى
الساعة التاسعة و النصف صباحا
لا استطيع ان اقول ان هذا كان بداية اليوم او هذه بداية الاحداث و لكن ها انا هنا فى قاعة محاضرات مزدحمة بالشباب فى مثل سنى او اصغر قليلا, لا اعرفهم و هم لا يعرفوننى, فى حقيقة الامر كنت اعرف القليل من الفتيات اللاتى سبق و قابلتهم فى الايام القليلة الماضية حيث كانت هذه اول ايام لى فى الجامعة و ما زالت انطباعاتى عن الاخرين مشوشة و لكننى بطبعى ودودة و لطالما عرفت ان اكن على طبيعتى و و ذلك جعل تقبل الاخرين لى اسهل.
دعنى اقل اننى لم احب وجودى هنا و لم اكرهه و لكن ما كرهته هو حاجتى لأستيقظ باكرا لأستمع الى محاضر يتكلم بسرعة مستخدما بعض الالفاظ الطبية او الانجليزية التى ما زالت غير مألوفة بالنسبة لى و الملل المصحوب بمثل هذه المحاضرات التى يكون معظم محتواها كلوغاريتمات او "هرى" كما يطلق عليها جيلنا.
و فى الحقيقة لم احتمال الذكور من الطلبة الذين يحاولون اثبات انفسهم من خلال اطلاق نكات سخيفة و اصدار ضوضاء بينما ابذل قصارى جهدى للتركيز فيما يقوله الدكتور.
بينما كنا جالسين نظرت الى احدى الفتيات الجالسات بجانبى سائلةً:
"هو الساعة كام دلوقتى؟"
"هو الساعة كام دلوقتى؟"
فنظرت لهاتفى لأجد انه لم يمر الكثير من الوقت و ما زالت ساعة متبقية على نهاية المحاضرة و يقتطع هذا صوت الدكتورة قائلةً بعصبية:
"دكتورة اللى ماسكة الموبايل بعد اذنك حطيه فى الشنطة يأما تتفضلى تطلعى برا, ما هو مش معقول هقول لواحد واحد يعنى انتوا كبرتوا عالكلام ده"
"دكتورة اللى ماسكة الموبايل بعد اذنك حطيه فى الشنطة يأما تتفضلى تطلعى برا, ما هو مش معقول هقول لواحد واحد يعنى انتوا كبرتوا عالكلام ده"
اعلم ان لديها الحق فيما تقوله و لكن للصراحة طريقتها اثارت غضبى و لكن لم يكن لدى ما افعله فى مثل هذا الموقف, انا بطبيعتى لست الشخصية التى تستطيع ان تخفى ما بداخلها من مشاعر و غالبا ما اعبر عنها مهما كانت العواقب و لكننى بدأت ادرك انه يجب ان احتفظ بمشاعرى لنفسى فى بعض المواقف و ذلك قد اثر على نفسياً اولا ثم جسدياً.
بعدما تداركت هذا الامر كل ما جال فى ذهنى انى سامضى المتبقى من الوقت فى انتظار الخروج سريعا لأفرغ غضبى فيما احببته من كل قلبى و هو الطعام.
اعلم انك قد ترى الامر سخيفا و لكننى حقا اجد فى الطعام صديقا وفيا فهو دوما ما وجدته كلما احتجته و لطالما وجدت فيه احتواءً لمشاعرى و شعرت بداخلى بزيادة النشوة كلما طاب شكله و طعمه.
صدقنى لو كان الطعام انسانا لتزوجته, و اجمل ما فى الامر اننى استطيع ان اُقَبِل طعامى بدون الشعور بالذنب اننى ارتكب خطيئةٍ ما !
مر الوقت مرور السلحفاة و لكن اخيرا انطلقت خارج قاعة المحاضرات لألتقى محبوبى "وجبة الافطار" و من بعدها انطلق الى السيكشن العملى سريعا لعلمى بزيادة اعداد الطلبة عن المقاعد و ذلك لوجود الكثير من الطلبة الحاضرين خارج ميعادهم.
فجلست انا و صديقاتى و بعد وقت قليل ازدحم المكان بالناس و تبقى القليل من المقاعد فهممت لأحضر كرسى اخر اضعه بجانبى و ذلك لأن السيكشن خاصتنا كان معروفاً ب"سيكشن البنات" و ذلك لأنه بالفعل كان ممتلئاً بالفتيات باستثناء شابين احدهما يدعى مينا و كان شابا ملتزما و يأتى مبكرا ليحجز مقعده و كل ما شغل باله هو الالتزام و التركيز اثناء الدراسة و اعتقد انه كان خجولا فكان يتجنب الحديث تماما و على النقيض زميلنا الاخر كان نادر, نادر شخصية غريبة بعض الشئ بالنسبة الى فكلما تحدثت معه وجدت انه شخص لطيف و لكن طالما لم اوجه اليه الحديث فلن يبادر هو و كأنه يتجنبنى و ذلك ليس موقفاً شخصياً و هذا ما ادركته, و على عكس مينا كان غير مبالٍ بالدراسة تماما و لكن كل ما يهمنى انه كان مؤدبا و سلسا فى التعامل و لذلك بادلته الاحترام.
ازدحم المكان كليا بالناس و لم يتبقى اى مقعد الا الذى حصلت عليه و بدأ الجميع يطالبوننى به فكان ردى واحدأ: "فى حد جاى يقعد عليه" و بالفعل دخل نادر حتى وقف تلقائيا وسط الواقفين فأشرت اليه ليجلس.
فى بداية الامر رفض و لكننى اصررت ان يجلس حتى استجاب, لا اعلم لماذا فعلت هذا و لكنى علمت انه الامر الصواب, لم يهمنى ما يقال عنى فمعظم الناس لم يعرفوننى و لا يعلموا ما بداخلى و بعضهم قد يصدر الاحكام المتعلقة بعلاقة "الولد و البنت" التى تنتشر فى وسط تخلف مجتمعنا.
ها الاعوام تمر مرور الرياح و يأتى نادر مرة اخرى و لكن هذه المرة هو الذى يحتفظ لى بكرسى و يطلب منى الجلوس فكان ردى:
"حاضر هقعد بس ليه؟"
"حاضر هقعد بس ليه؟"
فكان رده:
"عايز اشوفك كويس, هكتب عنك"
"عايز اشوفك كويس, هكتب عنك"
"هتكتب ايه؟"
"مش مهم هكتب ايه, انا هكتب شوية هرى ممكن يكون صح او غلط, المهم انتى شايفة نفسك ازاى, بس اقولك على حاجة بصراحة؟ انا شايفك بنت ب100 راجل, يمكن دى مش احلى حاجة اوصف بيها بنت بس دى الحقيقة اللى مينفعش محدش يشوفها"
فنظرت بخجل اليه مع ضحكة خفيفة قائلة:
"الله يكرم اصلك"
"الله يكرم اصلك"
"يا بنتى ارحمينى من ردودك دى, بس لو فى حاجة واحدة نفسى تعمليها لنفسك هى انك زى ما بتحبى الاكل حبى نفسك لأنها تستاهل تتحب"
Comments
Post a Comment