حكاية انسان: الجزء الرابع

الساعة الرابعة صباحا

فى وسط سكون الليل كنت اجلس وحيدة فى شقتى التى كنت قد انتقلت اليها مؤخرا و ذلك لظروف دراستى حيث كنت اقوم بدراسة الفنون و قد تخصصت فى قسم النحت لذا كل ما طلب منى من اعمال فنية احتاج مجهودا ذهنيا و بدنيا مثل معظم الاقسام الاخرى بكليتنا و لكن ما ميزنا عن غيرنا من الاقسام هو الادوات المستخدمة فى المنحوتات و التى تضاعف مجهوداتنا الجسدية فى النظافة ما بعد فوضى العمل, و لادراكى اننى اجعل المنزل كفوضى عارمة كلما عملت على احدى المشروعات و حاجتى الى المساحة الشخصية انتقلت الى شقتنا القديمة حيث ابقى و حيدة.
قد اعتدت ساعات العمل الطويلة و لحبى للهدوء فضلت ان اعمل ليلا حيث يتاح لى المجال لأصفى ذهنى و ذلك يجعل ايا كانت فكرة التصميم الذى اقوم به اقوى و اوضح و كأتها مياه تتسرب الى داخلى و نقائها يخلو من الشوائب.
قد اعتدت ايضا ان اترك هاتفى بجانبى ليطلق الموسيقى الهادئة التى تحفذ تفكيرى ليبدأ التدفق, و لكن الليلة مختلفة قليلا بالنسبة لى.

انطلقت اصوات الموسيقى الخافتة التى تزامنت مع دقات قلبى الهادئة لتنطلق معها الافكار و الابداع و لكن استوقفتنى ضوضاء آتية من الشقة فى الطابق الاعلى من شقتى و كان صوت طرق شئ ما يخترق الحائط و لشدته اخترق اذناى متسربا الى عقلى ليعوق الافكار الخارجة فحاولت جاهدة ان اتناسى هذه الضوضاء و ازيد من صوت هاتفى حتى فاض بى الكيل لأجد نفسى صاعدة الى الاعلى طارقةً على باب الجيران.

فى خلال عدة ثوانٍ فتح لى الباب شاب ثلاثينى العمر مرتديا فانلة حمالات تغطيها القليل من البقع الصفراء الناتجة عن العرق و اللون الزهرى الفاتح الناتج عن الغسيل ماسكاً سيجارة فى يده و وجسمه مكسو بالشعر مثل وجهه بالضبط بطريقة عشوائية و عندما فتح الباب نظر تجاهى متفحصا اياى سانداً ذراعه على الباب و قال مبتسما بنصف ابتسامة:
"ايه ده ايه ده ايه ده؟ فى حاجة و لا اييييه؟"

فقلت بحزم:
"اه في حاجة, فى ان الساعة 4 الفجر و بتخبط و بترزع و الناس مش عارفة تنام مالصوت"

فضحكة ساخرا و قال:
"ايه ده؟ ده انا اللى عامل دوشة كده؟ معلش يا عسل مقدرش على زعلك"

فنظرت اليه باحتقار و قلت:
"انا نازلة دلوقتى و لو سمعت تخبيط تانى هيبقى موقفك مش كويس"

فضحك بشدة بدون ان يقول شيئا و لم يغلق الباب و شعرت به ينظر تجاهى بينما كنت نازلة الى شقتى حتى سمعت صوت اغلاق بابه فاطمأن قلبى.


مرت دقائق قليلة من الهدوء حتى سمعت نفس الضوضاء فاستشاط غضبى و  لكن هذه المرة اخترت ان اطرق على باب احد جيراننا القدامى ففتح لى رجل بمثل سن ابى و كان يفرك عينيه بيديه قائلا:
"فى حاجة يا بسمة؟ بابا كويس؟"

"لأ متقلقش يا عمو بابا كويس, انا اسفة انى صحيتك بس فى واحد فى الدور اللى فوقينا عمال يرزع و انا مش عارفة انام بسببه و لما طلعت كلمته قل ادبه عليا"

"انتى ازاى يا بنتى تطلعى لوحدك فى الوقت ده مش كنتى تقوليلى؟ استنى انا هطلع ابهدله دلوقتى"


دخل جارنا سريعاً مرتديا ثوبه و نظارته متحدثا الى زوجته ليطمئنها انه سيعود بعد قليل و صعد معى الى الاعلى طارقا على بابه ففتح الشاب ناظرا الينا بنفس برود الاعصاب دون ان يقول شيئا فقال جارى:
"هو مفيش احترام لأى حد هنا؟ يعنى ايه تيجى الساعة 4 و كل الناس نايمة و ترزع كده؟"

"معلش يا حاج ده شغلى و اكل العيش مر"

"ايوه على عينى و على راسى بس الشغل ده ينفع يتعمل الصبح انما ربنا عمل الليل عشان ننام فيه"

"خلاص يا حاج متصدعناش, اتكل على الله"

"تصدق انك قليل الادب و مشمتش ريحة الرباية؟"

عندما رأيت هذا المنظر و انهم على وشك الشجار فتحدثت الى جارى محاولة تهدئته لأنى علمت ان الشاب قادرا على ايذاؤه و تجنبا لحدوث هذا نزلنا الى الاسفل و قمت بالاتصال بالشرطة و لكن كالعادة استقبلوا شكوانا و لكن لم يأت احد فقررنا اننا سنحاول النوم لنرى ما بامكاننا فعله بالغد.

فى اليوم التالى اتصلنا بصاحب العقار لنستفسر عن هذا الساكن الجديد و اكتشفنا انه مقيم فى العقار بشكل مؤقت فاخبرناه بشكوانا و بالفعل كان متعاونا فأتى فى الحال و تكلم مع الشاب الساكن بالاعلى مههدا اياه بالغاء عقده و اعطاؤه امواله ليجبره على الرحيل.

بعد هذه الليلة الطويلة لم يكن امامى العديد من الخيارات الا ان اخلد الى النوم و استيقظت بعد عدة ساعات لأجد احد افراد مجموعة اصدقائى متصلاً بى و عندما قمت بالرد قال لى:
"انتِ فين يا بسمة؟ احنا كلنا اتلمينا و مستنينك !"

"حاااضر هفوق بس و اجيلكم"

"متتأخريش ها؟"

"ماااشيييىى, يلا اقفل عشان الحق البس و اجيلكم"


طوال حياتى و انا ارى نفسى مختلفة عن باقى الفتيات و ذلك ليس نوعا من الكبرياء او رغبة فى التميز و لكننى لطالما أخذت الامور ببساطة افعل ما شئت طالما لم يكن خاطئا او يضر احدا, لم و لن اهتم لما يقوله المجتمع من حولى فاذا فعلت هذا سافقد الكثير من المتع و الاهم انى سافقد هويتى خوفا من ان اكون من اردت اكون.
دوما ما سمعت تعليقات عن قصة شعرى و اختيارى العيش مستقلة بمنزل خاص او علاقاتى المتعددة او طريقة حياتى بشكل عام, البعض يرى اننى اخترت طريق الضلال و اننى مذنبة, البعض الاخر يرى اننى جريئة و قوية افعل ما اشاء و لكن لعدم قدرتهم للقيام بمثل هذه الامور لا يستطيعون ان يقروا بهذا, و قلة قليلة ترى اننى رمز للقوة و الاستقلال و يعظمون منى و لكننى فى الحقيقة ما الا فتاة عادية اختارت العيش بطريقتها الخاصة فى وسط عالم مزيف.


فتحت دولابى لأختار بلوزة بسيطة و الجينز المعتاد و عادة لم اهتم بوضع الMake up و لا اجد اى صعوبة فى تسريح شعرى لذا انطلقت سريعا بعد حمام دافئ مرتدية ملابسى متجهة الى اصدقائى.

"اتأخرتى يعنى انهارده, و اخرتها معاكى؟"

"بس يا عم سيبنى فى حالى, ده انا شوفت ليلة ما يعلم بيها الا ربنا"

"ايه اللى حصل بس؟"

"واحد فى العمارة معانا كان فاكرنى هفأ"

"ايه ده هو انتى مش هفأ؟"

"اااااه, انتوا شايفنى هفأ يعنى, تمام اوى"

"لأ يا بسمة انتى مش هفأ, انتى من اقوى الشخصيات اللى انا عرفتها و انتى مش محتاجةحد يقولك كده بس اقولك على حاجة بصراحة؟ انا شايفك مبتعمليش الحسبة صح دايما و من كتر اعتمادك على نفسك بتخشى بقلب و مش عاملة حساب انك ممكن تتكسرى, انتى مبتعمليش حاجة غلط بس انتى برضه وارد انك تكونى غلطانة فى حاجات فمتخليش نفسك دايما مقياس لنفسك لأننا احيانا نفسنا بتخدعنا, انا عارف انى بقول كلام كبير بس انا عارف انك هتفهمى قصدى لأنك بتعرفى تسمعى و انا بقولك كده عشان خايف عليكى من ان الدنيا تكسرك"



بطل القصة: بسمة عادل


Comments

Popular posts from this blog

A Walk In God's Temple

هل أستحق الموت؟ "حدث بالفعل"

كان نفسى أحبك زى ما حبيتينى !