حكاية انسان: الجزء السادس

الاربعاء 24\7\2019 الساعة 1:05 ظهراً

ها انا انظر لشاشة هاتفى الذى قد سقط فى الرمال لأتفقده و اجد انه سليماً و ادرك اننى قضيت العديد من الساعات مستلقية على ما يسمى بال"شيز لونج" حيث غلبنى النعاس فى وسط نسيم الهواء اللطيف الذى يتلامس مع جسدى و كأنه يقتحمنى ليستحوذ بداخلى على كل ما امتلكه عقلى من افكار و طاقة سلبية و يحملهم الى خارجى لينعم عقلى بسلام تام و انا ارى امواج البحر تتلاطم بعضها ببعض لتستوقفها رمال الشاطئ.
أقر بأن هذا الوقت من العام برغم حرارته التى تصيبنى بالغضب الا أنه المحبب الى قلبى حيث اقضى هذا الوقت امام شاطئ الساحل الشمالى مبتعدة عن كل ما يؤرق ذهنى من مشاغل الحياة و مسئولياتها.

بالمناسبة انا طالبة فى كلية الصيدلة و اعترف بأننى كشخصية ابعد ما يكون عن ان تكون هذه دراستى و ان اكمل حياتى كدكتورة, الجميع يندهش عندما اخبرهم بدراستى للصيدلة, انا لا احب الضغوطات بداية من الاستيقاظ مبكراً للتعامل مع شخصيات غريبة بالنسبة لى و حاجتى الى قضاء اوقات طويلة باذلةً مجهود ذهنى و بدنى و المذاكرة باجتهاد لأستطيع ان اجتاز الاخنبارات, نهايةً بحاجتى الى الاعتماد على نفسى و اختيار طريق العمل الذى سأبذل قصارى جهدى لأنجح فيه و انا لست مقتنعة به و ارى نفسى افعل شيئا آخر لا اعلم ما هو.

اعلم ان طريقة كلامى قد تصيبك بالحيرة و قد لا تفهم كل ما اقوله لكن كيف تتوقع ان تفهمنى و انا لا افهم نفسى احيانا و لا اعلم ما اريده حقاً.


"يا مينزو !!!" قالت اختى هذا بصوت يغمره السخرية و الدلع مستكملة بضحكة يغلب عليها الاستهزاء قالئةً:
"كلمى حبيب قلبك يا قمر, سسسس" و اخذت تغمز لى بعينها فاخذت منها الهاتف غير عابئة بما تقوله.

"الو"

"ايوه يا مشيئة, عاملة ايه يا حبيبتى؟ ما بترديش على موبايلك ليه؟"

"معلش يا بابا كنت نايمة"

فضحك ثم اردف:
"يخرب عقلك, سايبة اوضتك و التكييف و طالعة تنامى عالبحر فى وسط الناس؟"

فضحكت انا بدورى كذلك و رددت:
"اهو اللى حصل بقى, انت هتيجى امتى؟"

"هخلص شغل بعد شوية و جاى على طول, شوفى ماما كده و قوليلى لو عايزين حاجة و انا جاى"

"اه ماما كانت عايزة زيت عشان اللى هنا خلص و مالك عايز شيبسى"

"حاضر, سلميلى على كل اللى عندك, باى"


بعدما اغلقت الخط اعطيت اختى الهاتف و تركتنى لتذهب بعيداً فأمسكت هاتفى لأتصل باحدى صديقاتى التى كانت تقيم بشقة مجاورة لنا تدعى "نور" التى كانت من المفترض ان تقضى الوقت معى و لكنها فضلت ان تنزل لتسبح فى البحر مع اخى الصغير الذى يدعى "مالك".

"الو, فينك يا هانم من بدرى؟"

"كنت باخد shower و جايالك دلوقتى"

"طب وديتى مالك لماما و لا قاعد عندكوا؟"

"لأ مالك سيبته بعد ما طلعنا من البحر كان قاعد عالرملة و قاللى انه شوية و هيرجع مع نفسه عشان ياخد shower هو كمان"

"طب تمام يلا انجزى و تعالى مش هفضل طول اليوم مستنياكى هنا.
ولا اقولك تعاليلى عالشقة بتاعتنا عشان ناخد مالك و ميسرة معانا"


بعدها تحركت مباشرةً نحو شقتنا لأجد ميسرة جالسة ممسكةً بهاتفها و تنظر الى شاشته فى تركيز شديد لا أعلم اذا ما كانت تتحدث الى احدهم ام انها تلعب احدى العابها التى لا مغزى لها و كانت امى واقفة فى المطبخ تطهو لنا وجبة الغداء فسألتنى ان اساعدها فى بعض الاشياء فرددت بأفأفة بأننى لا استطيع لأننى يجب ان اغير ملابسى لأننى ذاهبة الى الخارج مع صديقتى فلم ترد على كلامى الا ب"خلاص براحتك يا مشيئة".
فى نفس اللحظة ادركت اننى قد ضايقتها فذهبت لأقبل رأسها و اخذت بعض الاطباق لأنقلها الى السفرة و قمت بتحضير السلطة و وضعتها فى علبة ليتم تخزينها بالثلاجة ثم غسلت يداى و بينما افعل ذلك سألت امى:
"هو مالك كل ده فى الحمام؟"

فردت امى باندهاش:
"هو مش كان معاكى؟"

فحاولت اخفاء الرهبة بداخلى و قلت:
"لأ تلاقيه لسه قاعد عند البحر, هروح اشوفه"

قاطعت ميسرة حديثنا بنبرة ساخرة قائلةً:
"ضيعتى الواد منك لله"

فرددت زافرةً بغضب:
"كفاية ردودك السخيفة دى, مش بدل ما تروحى تشوفى اخوكى لحد ما اغير هدومى؟"

"دلوقتى بقى اخوكى؟ حاضر هخلص الgame ده و اقوم"

"يا ربى على استفزازك !" فزفرت مرة اخرى بغضب متجهةً الى الشاطئ باحثةً عن مالك.


ظللت ادور بعيناى حول الشاطئ فى وسط زحام المصيفين لمدة لا تقل عن 10 دقائق و لم اجده فارتبت و وجد الرعب طريقه الى قلبى ليصعق به و اشعر بقلبى و كأنه يهتز بالداخل فبدأت أقاوم هذا الشعور فمررت بين الجالسين سائلةً اياهم اذا ما رأوا طفلاً بهذه المواصفات و لكن قد اجاب جميعهم بالنفى.

حاولت الهدوء و حاولت التقط انفاسى التى تسارعت حتى اجد نور آتية مع ميسرة تجاهى سائلةً اياى:
"ها لقيتيه؟"

برغم كل محاولاتى للتماسك الا اننى فقدت السيطرة و شعرت بدموعى الحارة تنهمر من عيناى و لم استطع التحدث فأومأت برأسى بالنفى.

"طب مش يمكن يكون راح عند كاميليا؟ انا سيبته كان بيلعب مع اخوها, جربى تكلميها كده"


فأشرت الى ميسرة معطيةً اياها هاتفى لتتصل بكاميليا لأننى لم استطع التحدث.
بعد محاولتين للاتصال بها بائت بالفشل زاد توترى و فقدانى للسيطرة على دموعى حتى اننى جلست على الارض و بدأت اشعر بالبرودة و كنت على وشك الاغماء حتى سمعت هاتفى يرن فردت اختى فى الحال قائلةً:
"الو, معلش يا كاميليا هو مالك عندكوا؟"

و اردفت فى الحديث لثوانٍ قليلة و كانت كلماتها قليلة مختصرها "تمام" و "شكراً"


ثم زفرت ميسرة فى ارتياح قائلةً:
"طلع هناك"


تحركنا فى الحال و عندما رأيت مالك احتضنته مطولا ثم نظر الى فى عدم فهم سائلاً اياى ما الخطب, فأمسكت بخديه و قلت:
"ده انت وقعت قلبى يا شيخ"


فجائت كاميليا لتستفهم عن الذى حدث فطلبت من ميسرة ان تأخذ مالك للخارج و تتصل بأمى لتطمئنها, بعدما خرجوا نظرت الى كاميليا بعينين جاحظتين و قلت فى غضب:
"انتى ازاى تاخدى اخويا عندكم من غير ما تقوليلى؟"

"ايه يا مشيئة ما عادى مش اول مرة ييجى عندنا"

"ردى عالسؤال !!"

"انتى بتكلمينى كده ليه و كأنى خاطفاه؟"

فتدخلت نور لتقول:
"فى ايه يا مشيئة؟ براحة يعنى هى معملتش حاجة عشان تكلميها كده"

"انتى كمان مش عايزة اسمع صوتك خالص"

"خلاص انا اسفة انى كنت بحاول اساعد يعنى"


فخرجت بعدما افرغت ما بداخلى من غضب لأذهب مع اخوتى الى شقتنا و بعدها صعدت الى غرفتى بالطابق العلوى لأجلس وحيدةً بعدما بدلت ملابسى.
هل ما فعلته منذ قليل كان صحيحاً؟ فى حقيقة الأمر ان لدى كل الحق ان اغضب و لكن ما ذنب الفتيات اللاتى انفجر بركانى الداخلى فى وجههما؟

بعد بضعة دقائق هممت لأغسل وجهى و التقطت هاتفى لأتصل بكاميليا لأعتذر لها, فلم ترد و لكننى اعذرها فاذا كنت مكانها فسيكون من المحال ان اغفر لى خطأى بحقها.
و لكن للمفاجأة وجدت هاتفى يهتز لأجدها تتصل بى فرددت فى الحال قائلةً:
"يا كاميليا, متزعليش منى"

فقالت بهدوء:
"متقلقيش مفيش حاجة, نور شرحتلى كل حاجة, انا اتضايقت بس ساعتها عشان مكنتش فاهمة انتى بتعملى كده ليه !"

"انا أسفة صدقيقنى بس انا مكنتش حاسة بنفسى, حقك عليا"

"بلاش عبط, مفيش حاجة, انا لو مكانك كنت هعمل كده و اكتر"

"انتِ جميلة يا كاميليا"

"و انتى قمر يا مشيئة"


*حديث نسائى مطول لا قيمة له ثم تنتهى المكالمة*


بعد ذلك قمت لتبديل ملابسى لأذهب الى منزل نور و فور وصولى الى هناك استقبلتنى والدتها و اخبرتنى ان نور جالسة بغرفتها فصعدت اليها و طرقت الباب ففتحت لى الباب و قالت فى برود:
"اتفضلى"

"ايه ده؟ من امتى الاحترام اللى احنا فيه ده؟"

"انا طول عمرى بحترمك و عمرى ما قللت منك"

"بصى انا عارفة انك متضايقة منى و حقك بس انتى مش لسه عارفانى عشان تزعلى منى يعنى!"

"ما المشكلة انى عارفاكى و الفكرة انك انتى كمان عارفانى كويس و اكيد عارفة انى هخاف على مالك زى ما انتى بتخافى عليه بالظبط, انا زعلانة بس عشان انتى فكرتى فيا كده"

"انتى عارفة انه مش قصدى يا نور, ما تبقيش رخمة و تعيشى فى دور المقموصة"

"انا بعيش فى الدور؟ انتى قليلة الذوق على فكرة"

" ايوه ما انا عارفة بس انتى بتحبينى, اصلا مينفعش حد ميحبش القمر ده"

فضحكت نور لتعلن استسلامها و قالت:
"هو من ناحية قمر فما شاء الله عليكى يعنى بس متتغريش يعنى عشان مقولكيش كلمة تزعلك"

"لأ انتى محترمة و مش هتعملى كده"

"عارفة يا مشيئة انتى ايه مشكلتك؟"

فقلت بسخرية:
"ولا أى حاجة طبعاً"

"و أدى رقم واحد انك مبتعترفيش انك عندك مشاكل, او يمكن انتى فعلاً معندكيش مشاكل كتير و الدنيا بسيطة بالنسبالك فمبتعرفيش دايما تحسى باللى قدامك و مشاكله لأنك معديتيش بحاجة شبهها فغصباً عنك مبتقدريش مشاكل اللى قدامك.
مشكلتك كمان انك مش دايما بتعرفى تعبرى عن مشاعرك صح, او مش دايما عارفة ايه اللى جواكى و يمكن دى المشكلة الاكبر.
انا مش جاية اقولك انك وحشة, بالعكس انتى من اجمل الناس اللى انا اعرفهم و اجمل ما فيكى انك اللى جواكى هو اللى براكى و عشان كده انتى صاحبتى, انا بقولك كده بس لأنى عارفة انك جواكى جمال اكتر من مجرد وشك الجميل بس مش دايما هيطلع و فى مشاكل جوه بتحبس الجمال ده و تمنعه انه يطلع !"

فلم اجد اى رد مناسب لما تقوله و لكننى ابتسمت و اتسعت عيناى و أقر بأننى شعرت اننى أجمل بعد ما قالته.




بطل القصة: مشيئة حاتم


Comments

Popular posts from this blog

A Walk In God's Temple

هل أستحق الموت؟ "حدث بالفعل"

كان نفسى أحبك زى ما حبيتينى !