لا مزيد من الصفحات البيضاء !
استلقيت على سريرى بعد يوم عمل طويل و مرهق و كنت قد أحضرت ثلاثة روايات مؤخراً و بدأت فى قراءة الأولى التى انتهيت من نصفها تقريباً و لم يتبقى لى الكثير حتى انتهى منها و فتحت الرواية عند الصفحة التى توقفت عندها سابقاً و بعدما انتهيت منها بينما أقلب الصفحة لأقرأ التى تليها وجدت صفحتين خاليتين من أى كلمة و ظللت أقلب الصفحات فأجدها بيضاء مما دفعنى إلى الغضب لأننى قد خُدِعتُ بتلك النسخة الرديئة و كنت على وشك أن ألقى بها و لكن فجأة تحول كل شئ حولى إلى السواد القاتم.
أدركت أن هذا لم يكن إلا حلم سخيف و دعونى أخبركم أننى فقدت القدرة تماماً على تذكر الأحلام, أغلب الأوقات أنام و استيقظ دون أى أحلام و لكن يقول العديدين أن جميعنا نحظى بالأحلام و لكن للبعض منا القدرة ليسترجع عقله ما حدث أثناء منامه و البعض الآخر لا يستطيع عقله فعل ذلك فيدعى أنه لا يحلم مثلى, لذا كانت تلك إحدى المرات القليلة التى يستطيع عقلى فيها استرجاع الأحداث و ليت ذلك لم يحدث.
لا أكتب هذا لأحكى لكم عن حلمى بل لأتحدث عن واقع قد مررت به بالفعل لذا دعونى انتقل سريعاً لصلب الموضوع.
أعرفكم بنفسى, أدعى "نادر أسامة سليمان" و لأقول اسمى الثلاثى لأعرفكم على جدى السيد "سليمان", لأكون صادقاً انا شخصياً لم أحظى بالفرصة لأعرفه جيداً و لكن أتذكر أن الكثيرين كانوا يقولون لى: "انت شبه جدو أوى", لم أعلم كيف أتفاعل تجاه ذلك إلا بالابتسام و برغم أن الكثير من هؤلاء الناس عندما يروننى الآن يقولون أننى ما زلت أشبهه برغم اختلاف طول قامتنا فانا فارع الطول بينما كان جدى شديد القصر و لكن كل ما أتذكره و يمكننى أن أقول أننا نتفق فيه هو قلة كلامنا و هدوئنا أغلب الوقت و قلة الحديث طالما لم يوجه الكلام لنا.
أتذكر أننى لم أكن على وفاق مع جدتى لذا كان جدى هو حلقة الوصل بيننا أو بالأصح كان الطرف الممتع فى الزيارة لمنزلهم حيث كان يغنى لى دوماً أغانٍ عشوائية و نتبادل بعدها الضحكات و لكنى أريد أن أذكر موقف محدد يعلق بذاكرتى ألا و هو صياح جدتى بى ذات يوم لسبب لا أتذكره فأذهب لأختبئ بالشرفة و أبكى فيتبعنى جدى و يجلس بجانبى دون أن ينطق بشئ و لكنه يظل صامتاً و يختطف نظرات سريعة تجاهى و كأنه يقول بها "انا معاك".
توفى جدى و انا فى سن صغير و لكن كنت كبيراً كفاية لأدرك أننى لن تتاح لى الفرصة لأراه مجدداً و فى ذلك اليوم تعلمت درساً شديد الأهمية و هو أن لا ضمانات لوجود أى شخص للأبد و لطالما لديك الفرصة لتعبر عن حبك لأحدهم فإفعل ذلك قبل أن يفت الأوان.
استأذنكم كى نعود لأرض الأحلام سريعاً لأشارككم أحد أسوأ كوابيس طفولتى الذى كان كالتالى:
استيقظ فى منزلنا و أخرج للصالة فأجد العديد من الوجوه غير المألوفة بالنسبة لى يرتدون الأزياء باللون الأسود و يخيم الحزن على تلك الجلسة فأجد أمى جالسة على الكرسى خائرة القوى تلفظ أنفاسها الأخيرة فأهرع تجاهها و ارتمى بحضنها و لكن تأبى الكلمات الخروج من فمى و تصارع أمى لتتحدث إلىَ فتودعنى بكلمات بسيطة لترحل عن عالمنا و أسوأ ما فى الموضوع أننى لا اتمالك مشاعرى و أبدأ فى البكاء و استيقظ لأجد وسادتى مبتلة و لا ينتهى بكائى بانتهاء هذا الكابوس و لكن تظل المشاعر موجودة حتى بعد إدراكى أن هذا لم يكن حقيقة و أن أمى ما زالت هنا.
عودة سريعة إلى أرض الواقع لأحكى قصة أخرى عن شخصية هامة قد شكلت جزءً هاماً فى حياتى.
فى عام 2014 تحديداً فى شهر أبريل اتخذت خطوة جريئة تصل حد الجنون و هى مقابلة فتاة قد تشاركت معها عدة أحاديث و لكن لم تسنح لى الفرصة لمقابلتها شخصياً من قبل و كانت تلك الخطوة كفيلة لتقلب حياتى رأساً على عقب, لقد كانت تلك الفتاة شديدة الجمال, استطاعت أن تربح قلبى و أعترف أننى قد أغرمتُ بها و كانت و لا زالت تستحق ذلك.
لقد أحببتها من كل قلبى و لكن للأسف الحب وحده ليس كافياً لنصل للنهاية السعيدة و نقضى بقية حياتنا سوياً فلقد تغاضينا عن نقطة هامة ألا و هى التكافؤات.
إذا سألتنى الآن إذا كنت لا أزال أحبها فستكون إجابتى "طــــبــــعـــــاً !!!" و لكن هل يعنى ذلك أنه بإمكاننا أن نكون سوياً؟ للأسف لا.
لا أريد أن أخوض تفاصيل علاقتنا فانا أعتبر هذا الأمر شخصياً للغاية و لكن ما أرمى إليه هو أنه إذا كان بإمكانى فعل أى شئ لأنجح تلك العلاقة لفعلته و إذا اتيحت لى الفرصة لأتحدث معها فسأخبرها عن مدى حبى و إحترامى لها.
من يعرفنى جيداً يعلم أنه كانت تربطنى علاقة وطيدة بجدى الآخر الذى رحل عن عالمنا منذ وقت ليس ببعيد و لا أريد أن أطيل الحديث و لكن أريد أن أركز الضوء على صراع كان بداخلى, لقد أصيب بجلطة دماغية شلت حركته و إضطر البقاء فى دار لرعاية المسنين فى آخر أيامه و الصراع كان علمى بأن أيامه المتبقية معدودة و الخيار أمامى هو أن أعيش حياتى بطريقة طبيعية دون أن أشغل بالى به أو أن أقوم بقضاء الوقت قدر المستطاع معه و لكن متى يرحل فلن يبقى لى إلا جرحاً غائراً بقلبى.
لقد اخترت الخيار الثانى و لست نادماً عليه.
لقد قاربت على الإنتهاء و سأختم كلامى بقصة قصيرة, منذ رحيل جدى و حبيبتى عن عالمى عاهدت نفسى ألا يتعلق قلبى بأى شخص خوفاً من الألم, لست مستعداً لاحتمال المزيد, اخترت العزلة و فقدت روح المغامرة بداخلى و صرت كالعجائز.
برغم كل محاولاتى لتجنب الألم إلا أننى ما زلت أتألم و ما زاد ذلك سوءً هو كونى وحيداً لا أشارك أحداً ما أمر به فيكون الألم من نصيبى وحدى.
ظهرت تلك الفتاة من العدم, أو ربما كانت موجودة و لكنى كنت شديد العمى لئلا أراها, جائت و أقتحمت ظلمتى و فرضت نورها و جمالها على حياتى, تلك الفتاة ليست بحبيبة أو شئ من هذا القبيل لذا لا أخجل أن أكون نفسى بكل عيوبى.
برغم أنها ليست حبيبة بالمعنى المتعارف عليه بمجتمعنا ألا إنها أغلى ما أملك, إنها حبيبتى.
و لكن تساورنى الشكوك كثيراً فى قيمتى سواء لنفسى أو بالنسبة لها و تحتد الشجارات بيننا فى بعض الأحيان و أعلم أننى سأحزنها و أعلم أنها ستكسر قلبى و لكنى أقبل بذلك لأننى قد أحببتها و أعلم يقيناً أنها تستحق ذلك الحب.
اعذرنى إذا كنت قد أطلت بحديثى و إذا كان كلامى عشوائياً أو غير مفهوم بالنسبة إليك و لكن من هنا يعود حلمى من جديد بقراءة الرواية و قلب الصفحات لتصبح بيضاء, هذا أكثر ما أخشاه أن تنتهى القصة فى نصف الطريق قبلما كانت من المفترض أن تنتهى إذا كنتم تفهمون ما أقصد و لكن حتى ذلك الحين كل ما أملكه هو ما تعلمته مبكراً هو أنه طالما ما زلت حياً و لدى الفرصة فسأعبر لكل من أحب عن حبى لهم.
Comments
Post a Comment