حكاية إنسان: الجزء العاشر
فى منتصف ابريل -أى مقتبل الصيف- كنت استمتع بنسمات الهواء التى تصفع وجهى بلطف و كنت ممسكا بالكاميرا الخاصة بى و معظم وجهى يختبئ خلفها لألتقط بعض الصور للمنظر البديع بحديقة المنتزه حيث يوجد مزيج بين خضرة الأشجار و زرقة البحر و بياض السماء و مختلف الألوان للأزهار و أهم ما جمل اللوحة الفنية صديقتى التى كانت تصغرنى بعام واحد و كانت تقف وسط الزهور لتتم المنظر البديع بابتسامتها التى تضفى الحياة للحياة.
التقطت العديد من الصور لها بأوضاع مختلفة فى أماكن مختلفة و كنت أشعر شعورا مختلفا عكس المعتاد و ذلك الشعور كان يعبث بى، لقد التقطت مئات بل و آلاف الصور للعديد من الأشخاص فى كل مرة يبتسمون لى أشعر بالبهجة تلقائيا، ربما لقال الرسول هذا أى "تبسمك فى وجه أخيك صدقة" و لكن فى تلك المرة تحديدا شعرت بانقباضة فى قلبى فى كل مرة كنت أنظر لوجها الجميل يبتسم لى بل و تضاربت الأفكار فى عقلى صارخة: أتظن أنها تبتسم لك حقا؟ إنها تبتسم للكاميرا فقط، إنها لا ترى وجهك حتى تبتسم له أيها الأبله.
شعرت بضيق حاولت إخفاؤه و حاولت تركيز كل طاقتى الذهنية على إتمام عملى بأبهى صورة من خلال التقاط الصور.
-فهد انا جعانة ما كفاية صور كده إنهارده و تعالى ناكل أى حاجة.
-حابة نروح فين؟
-مش فارقة بالنسبالى بس انا عايزة أتمشى فيا ريت بلاش حتة بعيدة.
-ماشى انا كمان عايز أتمشى، يلا بينا.
بينما كنا نسير وقت غروب الشمس سمعت صوت محرك سيارة مرتفع و ضحكات مجموعة من الشباب وسط التصفير و التصقيف عندما كانوا يتعقبون فتاتين بدوا منزعجين و ساروا بخطوات سريعة و لم ينظروا تجاه هؤلاء الشباب حتى نزل من السيارة أحدهم و كاد أن يلمس الفتاة حتى صاحت بهستيرية و صرخت الأخرى "انت قليل الأدب على فكرة و أهلك معرفوش يربوك.
فتحدث الشاب بصوت غليظ قائلا:
-هو انا جيت جنبك ولا انتوا عايزين تتبلوا على ولاد الناس؟
-و انا هستناك لما تلمسنا يا حيوان انت.
كنت أرى كل هذا و لم احتمل سماع صوت الفتيات دون أن اتدخل و لم يمنعنى إلا أن صديقتى قد سحبتنى من يدى و نظرة إلى نظرة تحوى فى معناها "ملناش دعوة"
و لكنى لم احتمل الصمت أكثر من هذا فأفلتت منها و سرت بخطوات يملؤها الغضب تهرس الأسفلت بالأسفل و اقتربت من الفتاتان و سألتهما بهدوء:
-انتوا تعرفوه؟
-لأ.
-طب مالك بيهم؟
-الله و انت مال أمك؟
-انت تعرف أمى عشان تجيب سيرتها و بعدين انا بكلمك بالأدب و هسألك تانى بتضايقهم ليه؟
-و انت. مال. أمك؟
لم اتمالك أعصابى فلكمته بكل قوتى ليسقط على الأرض و لكن فى خلال ثوانى خرج أصدقاؤه من السيارة و التفوا حولى و انهالوا على بالضربات و لكن تجمع الناس من حولنا لفض الشجار و بعدما رحل الجميع لم يتبقى إلا الفتاتان فشكرانى على ما فعلته لأجلهن و رحلن و على عكس المتوقع لم أجد صديقتى فى انتظارى فشعرت بخيبة أمل كبيرة و عدت إلى المنزل و حبست نفسى بداخل غرفتى كما حبست غضبى بداخل قلبى.
استيقظت فى اليوم التالى و للمرة الثانية شعرت بخيبة أمل عندما لم أجد أى مكالمة منها لذا قررت الاتصال بها و لا داعى لأن أذكر أن ما حدث لم يكن إلا زيادة لخيبة أملى.
ماذا كان يدور بعقلى عندما تركت قلبى يميل لها و انا أعلم أنها لم تشعر بذرة حب ناحيتى، كل ما أرادته هو قضاء وقت لطيف و تحظى ببعض الصور الجميلة و مع أول منعطف اتخذت خطوة للخلف و هربت و كان عذرها على حد قولها "انا مبحبش المشاكل"
تمر الأيام و اتعرف على
العديد من الأشخاص باختلاف عقلياتهم حتى جاء اليوم الذى لم أكن مستعدا له و هو يوم الوقوع فى الحب مجددا.
لن أخوض الكثير من التفاصيل بشأن هذا الأمر لأنى لم اعتاد التعبير عن نفسى و لكن ما حدث بإختصار هو أننى كنت جالس فى وسط مجموعة من أصدقائى من الجنسين و بدأنا نلعب spin the bottle.
لم أحب هذه اللعبة أبدا حيث كنت أراها "تلزيق" و لكن تلك المرة كانت استثناء فكان حظى أنه الزجاجة لم تشير ناحيتى إطلاقا و لكن بعدما انتهينا من اللعبة و غادر الجميع سحبت فتاة الزجاجة و جلست بجانبى و أشارت بعنقها تجاهى و سألتنى:
-لو كان قدامك تختار اسم تانى لنفسك كنت هتختار إيه؟
-آدم.
-إشمعنا؟
- جدى إسمه آدم و انا نفسى أبقى شبهه فى كل حاجة.
-أه كده ابتدى أغير يعنى؟
-تغيرى من جدى؟
-أغير من حبك ليه؟
انطلقت منى ضحكة تلقائية و أدفت:
-أفهم من كده إنى ليا معجبين؟
-أيوه يابنى انت مش شايف نفسك؟
فضحكت مرة أخرى ساخرا و قلت:
-بلا نيلة.
لاحت بنظرها بعيدا و بدا عليها الغضب فسألتها "مالك؟" فأجابتنى قائلة:
-انت مش مقدر كلامى و مش فاهم حاجة.
-طب فهمينى.
-انت موهوب و جسمك حلو و شكلك حلو و انا مش فاهمة انت ليه مش شايف كده.
-يمكن عشان محدش قاللى ولا حسسنى بده.
فى هذه الأثناء وجدت أمى تتصل فأجبتها و قالت ليه بصوت مهتز:
-البقاء لله جدك توفى.
صعقت و كأن كل شئ توقف من حولى و لم استوعب إلا أنها مزحة سخيفة و لا يمكن أن يكون هذا حقيقيا.
لن أقدر أن أصف كم الألم الذى شعرت به و لكن هكذا هى الحياة، مع كل نهاية تبدأ بداية جديدة و ما كانت هذه إلا نهاية قصة حبى لجدى و بداية حبى لمن اقتحمت حياتى بدون سابق إنذار لتكون سندى فى تلك الحياة القاسية.
بطل القصة: أ.أ
Comments
Post a Comment