قبل أن أرحل: الجزء (٢\٢)
يوم ٢٦ مارس عام ٢٠١٨
بعد مرور ١٧ عام على الحادثة التى قلبت حياتى رأساً على عقب ها انا هنا الآن ما زلت حياً, نجوت من موت محقق فلقد كان من المفترض أن ألتقى بفاليرى فى المركز التجارى لنكمل يومنا و ليتنى ذهبت, ليتنى بقيت مع حبيبتى, منذ رحلت قد فقدت جزءً منى, انا حى أرزق أتنفس و أتحرك و برغم أننى أبدو حياً إلا أن جزء منى قد مات برحيلها عن عالمنا, ظللت أعواماً طويلة اتسائل لماذا ارتكب الله هذا الظلم الشنيع بحقى؟ لماذا أخذ منى محبوبتى و تركنى بالكاد حياً, لماذا لم يدعنى أغادر هذا العالم معها؟ لماذا و لماذا؟
حاولت أن اتخطى ما حدث و ظللت مركزاً أن أنسى فاليرى و لكن فى كل ليلة تحضرنى بابتسامتها الرقيقة و أتذكر تخطيطاتنا للرحلة.
أتذكر مداعبتها لى فى الليلة التى سبقت الحادث.
حققت هدفى بزيارة أكثر من مئة دولة بحلول عامى الخامس و الثلاثين, و قد حاولت تخطى مشاعر الحزن خلال الأعوام الماضية كثيراً خلال التعرف إلى فتيات من مختلف الجنسيات و قد تخطى الأمر العلاقات العاطفية فلقد كنت فاقداً للمشاعر, أمارس الجنس مثل الحيوان المتوحش و لكن بلا أدنى عاطفة, لم أستطع أن أحب غير فاليرى.
لقد قاربت سن الأربعين و ها انا هنا بلا إنجاز يذكر, بلا عائلة, بلا هوية فأنا لا أعرف من انا حقاً و لا أجد أى وصف يلائم من أكون أو يفى بهويتى, و الأهم من كل ذلك انا بلا حياة, كل ما أفعله هو محاولات لأشعر أننى ما زلت حياً أو لأجد سبباً يدفعنى لعيش يوم آخر.
قطع حبل تفكير أحدهم يطرق باب غرفتى بالفندق الذى مكثت به فى فيتنام ففتحت لأجد سيدة عجوز رُسم على وجهها ابتسامة مقاومةً للتجاعيد التى عكست إجهاد و استنزاف الحياة لها و لكن على الرغم من ذلك كانت عيناها مفعمتين بالحياة.
لقد قابلتها عدة مرات سابقاً فى الاستقبال و برغم استخدامى لتطبيق على هاتفى للترجمة من اللغة الانجليزية للفيتنامية لكنها لم تجبنى و كان يجيب بدلاً عنها شاباً يافعاً و تبين لى أنها غالباً صماء و لكن كلما رأتنى لم تفارقها ابتسامتها تجاهى.
بعدما فتحت الباب سألتنى بالانجليزية إذا كان يمكنها دعوتى لكوب من الشاى الفيتنامى, فى البداية صعقت أنها تتحدث و يمكنها تكلم الانجليزية ثم استوعبت فبادلتها الابتسامة و رحبت بدعوتها و شكرتها فقالت لى أن أتبعها فسرت ورائها بين الأشجار حتى وجدت جذع شجرة مقطوعة و بعض الحطب مرصوصاً على الأرض فأشعلت النيران و أحضرت براد وضعت به بعض الأعشاب و أحضرت كرسى صغير و أشارت لى أن أجلس على ذاك الجذع و بدأت تتطلع بى فى صمت.
أثارت تلك السيدة فضولى بصمتها الدائم فسألتها لماذا لم ترد على قبل ذلك فكان ردها:
"أحياناً عليك أن تسكت كل الأصوات من حولك حتى صوت عقلك و ذلك ما كنت أفعله حينها."
فابتسمت لها و سألتها:
"طب مبتخافيش الناس تفتكرك بتحتقريهم عشان مبترديش عليهم؟"
صمتت قليلاً قبل أن تجبنى فقالت:
"الخوف, و الناس…"
ظللت فى حالة تأهب لما ستقوله و لكنها صبت الشاى فى الأكواب و أعطتنى كوبى ثم قالت لى:
"حدثنى عنهم"
فضحكت متعجباً:
"معلش مش فاهم قصدك !"
فقالت:
"أنت تعانى يا صغيرى من الأمران, هيا أفصح عما بقلبك, أخرج أفكارك قبل أن تلتهمك, لن تحظ بالسكينة طالما ظللت تحتفظ بتلك الضوضاء فى عقلك الصغير."
ظللت صامتاً لدقائق دون رد و تتفاقم بداخلى الأفكار السوداوية و شعرت بالحزن يخنقني و لكنى لم أرد أن أستسلم بتلك السهولة فشربت الشاى و شكرتها و أعتذرت لها بحجة أننى فى حاجة إلى الراحة قبل أن أغادر الليلة فابتسمت لى بوداعة و قالت:
"ليكن ما تشاء يا صغيرى, لكن مهما حدث لا تستسلم للخوف."
يوم ١١ يونيو عام ٢٠٢٠
استيقظت لأجلس فى فراشى طوال اليوم, لم أغادره إلا لشرب القهوة و كل ما يشغل بالى تلك الفتاة التى قابلتها العام الماضى بمصر و كانت مقابلتنا بمحض الصدفة إلا أنها استحوذت على تفكيرى طوال الوقت الماضى فقد رأت ما بداخلى كما لو أنها اقتحمت روحى.
لم تكن سارة الفتاة الأجمل و لكنها كانت الأكثر تفهماً لى و ذلك كان جذاباً أكثر من أى خصلة أخرى, لن أخوض تفاصيل علاقتنا و لكن أهم ما فى الأمر أنى قد فتحت قلبى لها فعلمت بكل ما فعلته بداية من مأساتى بفقدان فاليرى و من ثم تعلق حياتى بالسفر و محاولات تخطى حبى الأول و الأخير بعلاقاتى القذرة التى دنست الجزء الحى المتبقى بداخلى, و بعد كل ما علمته اختارت أن تبقى.
تعلق قلبى بها و بدأت أشعر بالحياة تدب فى داخلى.
و لكن كل ما يشغل بالى الآن هو كيف سأخبرها أننى لن أبقى هنا؟ لقد تمكن منى المرض و أصابنى ذلك الفيروس اللعين بالتهاب رئوى و مهما حاولت فلا توجد مستشفى تقبل بحالتى.
ظلت التساؤلات تهاجم عقلى و تتحرش به, هل أعترف لها بحبى قبل أن أرحل؟ هل سيكون ذلك من العدل؟ أين العدل لما كنت ميتاً و بمجرد عودتى للحياة تختار الحياة ألا تقبلنى و تبعث لى بملاك الموت؟
هل أحظى الآن بما لم أحظى به مع فاليرى؟
ماذا لدى لأخسره؟ سأقول لها و ليحدث ما يحدث.
النهاية…
يمكن دى تكون نهاية قصة مروان, مش هتفرق هو عاش ولا مات, اعترفلها بحبه ولا لأ, فى أسئلة كتير معنديش ليها إجابة, بس اللى كلنا ممكن نتفق عليه هو إن أكتر حاجتين شاغلين دماغنا دلوقتى هما "الناس و الخوف".
أياً كان الشكل اللى دماغنا مشغولة بيه بالحاجتين دول بس انا شايف إن الحياة هتفضل سايبة جوانا علامات استفهام و نهايات مفتوحة زى القصة دى بظبط و مش دايماً هيبقى فى إجابات بس الحل الوحيد لكل ده هو الحب.
![]() |
Add caption |
حقك تخاف و حقك تشوف الناس مش حلوة بس المحبة تستر كل العيوب و المحبة تطرح الخوف خارجاً
Comments
Post a Comment